جهاد أيوب / الدراما العربية لـ رمضان 2015: سلق بيض!! (3 من 5 )

بقلم|| جهاد أيوب

أربعون عملاً عربياً قدم في شهر رمضان الحالي ومعظمه تمحور حول قصص الحب والخيانة والثراء الفاحش، ومنه ما هو معني بالمقاومة والمجتمع الطائفي، وغاب التاريخي والسيرة الذاتية، بينما الأعمال الضاحكة لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، كما أن القنوات الفضائية العربية تعاملت مع الشهر الفضيل بشيء من الفقر الانتاجي وبعدم استقطاب النجوم، وبميزانية متواضعة، فحالات التقشف كانت واضحة وتحديداً في "  MBC"  على عكس ما كانت تخطط له على صعيد التنافس سابقاً ولم تكترث له حالياً، ومع ذلك كانت الأكثر متابعة لبرامجها، كما ارادت قناة "المنار" ان تزيد من جمهورها في شهر رمضان فتمكنت من جذب المشاهد إلى متابعة احداث واقعية من تاريخ تعمد النظام اللبناني وبعض العربي ان يتجاهله ويغيبه كلياً، ونجحت في استقطاب غالبية الممثلين اللبنانيين بعيداً عن عقدة الدين والطائفة كما يحدث في بعض الفضائيات اللبنانية للأسف وذلك من خلال " درب الياسمين" و" عين الجوزة" مما كسر عقدة البعض في لبنان ممن لا يعرف طبيعة قسم من اهل وطنه ولا يؤمن بمجتمع المقاومة من أصله، لذلك نجحت "المنار" بصمت وبهدوء في أن تفرض قصصها الواقعية جراء التاريخ القريب دون شوائب أو تضخيم وكذب، و قد يعتبرها البعض مبالغات لكنها حقائق من لحم ودم، مشكلة القائمين على أعمال "المنار" الرمضانية عدم أخذ العلم من أصحاب التجارب والمعرفة، عدم الاهتمام بالحوارات التركيز على شخصيات وحكايات شباب المقاومة  صورياً بعداً عن تداعيات الحالة، وتجاهل القسم الأخر من حركة المجتمع، الإغراق بقصة دون الاستفادة من الابعاد الدرامية التي تولد قصص قد تترابط مع القصة الأصل وتفيدها، وعدم الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة للشخصية، واصرارهم على التجريب وسرعة التنفيذ والقيود الشرعية المبالغ فيها، ومع ذلك نقول أن "درب الياسمين"  قصة وحوار فتح الله عمر قدم وجبة شهية للمتابعة رغم الملاحظات العديدة في الإخراج واللهجة، لكنه قدم طبيعة لبنانية رائعة، ووجوه فنية واعدة أهمها الشاب نيكولا مزهر الذي تعامل مع الشخصية ببساطة وعفوية واتقان والين لحود التي تبشر بالكثير، إضافة إلى نجم المستقبل كارلوس عازار، هذا الفنان قدم دوره بسلاسة وبفلسفة السهل الممتنع والممتع، لم يتكلف ولم يتصنع وفرض علينا متابعته وصدقنا أنه كذلك على عكس ما حدث معه في رمضان الماضي في "عشرة عبيد صغار"، أما باسم مغنية فكان انيقاً ومتزناً وعميقاً يعرف حدود دوره وخطورة اقدامه على أداء دور العميل، والأهم انه يتقن حركة جسده ووجهه وصوته، ولعبت عايدة صبرا دور المرأة الجنوبية الأم بتفوق وبخبرة المسرحية التي تعرف كيف تبوح وتغضب وتفرح في لحظة واحدة في الحلقات الأولى من المسلسل لكن الشخصية تاهت ولم تتأثر بالأحداث التي اصابتها مثل فقدان ابنتها واسر ابنها ومرض صغيرها وزوجها، كل هذا لم يستفز عايدة حتى غيبت الشخصية وهذا خطأ المخرج والممثل معاً..."درب الياسمين" قدم المخرج ايلي حبيب منافساً للأعوام المقبلة بشرط أن يتعرف على طبيعة مشهده وأناسه أكثر، ويقرأ تفاصيل حواراته حتى يزاوج الصورة مع النص...هو مخرج حساس لكنه هنا افتقد إلى النص البصري الذهني في الصورة وفي أداء بعض الممثلين، لو أخذ وقته في التنقيب والبحث وتعمق أكثر في النص لكانت النتيجة مغايرة!!

أما "عين الجوزة" اخراج ناجي طعمي  تأليف د. ابراهيم فضل الله حصد الكثير من المتابعة رغم المبالغة باللهجة الجنوبية عند بعض الممثلين، لكنه قدم منافسة مهمة بين أهم النجوم في لبنان والوطن العربي، عبد المجيد مجذوب خبرة الصوت واللغة وايماءات الوجه وقدرة على الاقناع، ويطل منير كسرواني  لأول مرة في عمل درامي جاد، يبدع كمسرحي متمرس، ويسجل نقاط تفوقه واقناعنا على  خسارة كل من لا يعمل معه في دراما تحترم نفسها، وفي المقابل لعب عمار شلق دور الخائن لضيعته من أجل مصالحه وحب الذات برشاقة ودراية وخفة ظل وعمق ولغة جسد لا يجاريه فيها أي ممثل عربي، شلق لا يليق له إلا الأدوار الصعبة والمركبة لأنه فنان الأدوار الصعبة، مثابر قارئ لأي شخصية يلعبها، وهو اليوم الأفضل عربياً في لغة التمثيل يسير على خط الراحل أحمد زكي وبتفوق بساطة أهم من بساطة زكي، ووفاء شرارة قيمة تؤدي دور الأم الجنوبية بتفاصيل ذكية، واسعد فضة يغامر وينجح، وجورج شلهوب بصمة في دور أحبه وأثراه، أما أهم مفاجأة فكانت عودة طوني عيسى "عباس" إلى أدوار المقاومة بعد نجاحه اللافت في "الغالبون" هنا يتقن اللغة التي يجسدها، يلعب بذكاء وعنفوان، هذا الممثل هو نجم الأيام المقبلة مع كارلوس عازار في الدراما العربية، أما الحديث عن كندا حنا " بسمة" فيطول، ويزهر التميز والثقة بأن الممثل يستطيع أن يلعب كل الأدوار إذا تفهم مفاتيحها، اتقنت كندا اللهجة الجنوبية، لم تتعقد من نجوميتها فأشعرتنا أنها في بداية المشوار ..كندا تفوقت فأبدعت، و حسام الصباح قدم دوره بعفوية، وكان باستطاعة الكاتب والمخرج أن يستفيدا من خبرته وحساسية دوره، ويعمقان حواراته بأبعاد درامة تصب في خانة الحكاية حتى يثريها بذكاء وثقة لأن هذا الفنان يستطيع أن يسرق الكاميرا ببساطته، وأيضا كشف العمل عن موهبة متميزة وواعدة  للطفل حسن الفقيه وخطوة جديدة ولافتة للممثل وسام صباغ، أما الخطأ الفاضح والفادح أن يكبر الطفل عباس 20 سنة وجميع الشخصيات توقفت عند زمن لا شيخوخة فيه، غلطة لا تغتفر فنيا!!
"أحمد وكريستينا"
أرادت "قناة الجديد" أن تقتحم المنافسة الرمضانية من خلال "أحمد وكريستينا"  كتابة كلوديا مارشليان وإخراج سمير حبشي علماً المنافسة لا تكون جراء عمل متسرع يحتاج إلى ثقافة في استيعاب قصته وشخوصه، المنافسة تتطلب خطة ذكية وشاملة وليست بعيدة إن فكرنا بجدية لا أن نترك كل شهور السنة ونطلب المنافسة قبل أسابيع من رمضان!!
"أحمد وكريستينا" خيب أمال العديد من المتابعين لكونه مدون من كاتبة تتميز برشاقة حواراتها ، ومخرج متمرس يتقن بوح الصورة وتحريك مجاميعه، النتيجة أننا أمام نص ساذج لم يقرأ شخوصه وتحديداً الشخوص الدينية، ولم يعرف دقة الشخصيات الإسلامية، هنا كانت مجرد مقالة درجة ثانية، وتجميع معلومات من سوالف المارة دون تعب أو قراءة منطقية وكأن الكاتبة تفتعل الارتجال، ولا ضرر من سؤال وتعلم من تاريخ وكتاب، أما ارتجال هكذا مواضيع حساسة فهو استخفاف وربما غلطة كبيرة خاصة أن الزمان والمكان مغيبان في قصة عولجت من قبل ونذكر "ايميليا" للفنان طارق سويد، وتغييب الزمان والمكان اضعف القصة والمشهد والحوار والبعد الدرامي، وترك للمشاهد حيرة صبت في الابتعاد عنه!!
"أحمد وكريستينا" عابه التطويل، الملل، تجميع ممثلين في مشهد لا لزوم لوجودهم، إخفاقات في معالجة موضوع الحب، وعدم فهم لمشاهد الطبيعة الخلابة وطبيعة الحكاية وتوهانا في فهم المكان كأن انفصاماً حدث، وفشل مفروض في أداء المغنية سابين أضر بالعمل، ولم تقنعنا سابين في أي مشهد واستمرت طيلة الحلقات بتأدية دور الفنانة على حساب حساسية الدور الأصلي الذي تاه منها، لم تعرف ايماءات الوجه، ولا حركة الجسد المصاحب لنبرات الكلمة والجملة والحدث، سابين تحتاج إلى دورات مكثفة في التمثيل قبل الوقوف أمام الكاميرا، أما الممثل الشاب والواعد وسام صليبا فكان جامداً يحتاج إلى مخرج يستفزه ويحرك ما في داخله، لم يكن وسام مزعجاً لكنه لم يكن بمستوى الدور الفرصة، ربما مشاركاته المقبلة ستتمكن من اظهار موهبته الواضحة.. جورج شلهوب فنان حقيقي يغني أي مشهد، وما أن وصل إلى الفندق حتى اختلفت حركة الكاميرا والحوار والثقة بأننا نتابع قيمة تشعل لدينا التطفل كي نتابع، وهذا ينطبق مع القديرة السي فرنيني, أما المخرج حبشي فلم يستوعب مشهده، تاهت منه مفردات كثيرة أهمها عدم القدرة على تحريك ممثليه ومجاميعه مع انه في اعمال سابقة كان متمكنا من ذلك...يوجد حلقة مفقودة جعلت العمل مسلوقاً في نص ليس اهم نصوص كلودا رغم أهمية الفكرة، و اخراج لا رؤية فيه بل توضيب لتنفيذ مشهد والسلام، ربما الحسنة الوحيدة أنه قدم لنا وجوه شابه.
العراب وتشللو
الضجة الإعلامية  والتطبيل الذي رافق "العراب" و"تشللو" كانت أكبر مما قدم، فالنتيجة مجرد دراما مملة وتطويل لا يفيد وأداء مربك وتعصيب وصراخ، وهذا يفرض أن نقول أن أداء الفنان المميز منفرداً لا يعني نجاح العمل كما هو حال الأيقونة تيم حسن والرائدة ضحى دبس ..تحويل فيلم  عن عالم المافيا والجريمة والاكشن هو من أفضل وأهم عشرة أفلام السينما العالمية "العراب" لـ فرانسيس فورد كوبلا إلى مسلسلين مغامرة تتطلب دقة وعناية وعدم تسرع واخذ الوقت الكافي، والأهم الرؤية الاخراجية، وهذا للأسف لم يحدث في العملين رغم أن "عراب نادي الشرق" أفضل من عراب عاصي الحلاني.
"العراب" اخراج المثنى صبح وإعداد حاتم سليمان ومن بطولة عاصي الحلاني وسلوم حداد ورفيق علي احمد وسلافة معمار وضحى دبس، يستحق هذا العمل لقب " الخراب" لكونه قدم لنا من خلال قلة الاحتراف على اكثر من صعيد أهمها الإخراج المدرسي "مثل ثم مثل واذهب إلى منزلك" وأداء تمثيلي تجريبي على الُمشاهد كأن من قام بالعمل أراد معاقبة الناس، لذلك الاعتماد على قدرات الممثلين لا يصب دائماً في خانة احداث وتداعيات الحبكة الدرامية، وإلا ماذا يعني التقاط صورة جميلة دون إحساس ودون معرفة هذا الحشو الكلامي إلى أين يوصل، وما الغاية من التجريب بمطرب له جمهوره الواسع لكنه لا يعرف الف باء التمثيل التلفزيوني، هذا ليس عيبه بل عيب المشرفين على عمل وجب أن يجهز للعرض...عاصي الحلاني غير مقنعاً في تمثيله، ولأول مرة أشاهد ممثل يمثل بالعرض ومن خلال نظراته فقط, عاصي يحتاج إلى درس وتدريب في التمثيل وإلى مخرج يفقه بتحريك ممثل مثل عاصي، والأهم أن يشاهد ما قام بتمثيله حتى يعرف أماكن الخلل في أدائه.. "العراب"  أو الخراب غابت عنه الرؤيا واغرق بالتطويل والسرد وحشو المشاهد.
" العراب نادي الشرق" اعداد رافي وهبي وإخراج حاتم علي بطولة جمال سليمان وباسم ياخور وباسل خياط وأمل بوشوشة، الفكرة كانت لمخرج لن نذكر اسمه سرد فكرته التي كانت " سفينة نوح"   امام رافي فنفذت حتى لا نقول سرقت دون العودة إلى صاحبها، ورغم شوائب العمل المفكك نستطيع القول انه افضل من "العراب" على صعيد التمثيل وذلك لوجود مخرج بقيمة حاتم علي قد يُرتب ما لا يُرتب في فكرة مجمعة من هنا وهناك طغى عليها الحشو لتمرير 30 حلقة.. حاتم من المخرجين القلائل في الوطن العربي الذين يملكون رؤية لكنه هنا متسرع ومسرع ولا نعرف الأسباب!!

"تشللو" اعداد وسيناريو وحوار نجيب نصير، قيل انه كلف 3 مليون دولار لا نعرف كيف صرفت إذا كانت النتيجة متواضعة، كان باستطاعة العمل أن يغرد منفرداً بنجاح لا يجاريه أحد، ولكن فكرة جعل قصة محدودة رغم عالميتها إلى 30 حلقة تطلب الحشو ومن ثم الحشو في الحوار والمشاهد، وبذلك تضيع جهود فريق العمل لكون الإنتاج يريد سرعة في التنفيذ والعرض، والمخرج يترك ممثله يجتهد ولا يقدم رؤية، المسلسل استنساخ عن الفيلم العالمي "عرض غير لائق" اخراج سامر البرقاوي، و بطولة تيم حسن، وأمانة والي، ونادين نجيم، ويوسف الخال، وكارمن لبس، وانجي.. يخطف تيم الكاميرا من الجميع، ولا يقارن، هو طاقة مقتدرة في الأداء الصحيح، يتقمص الشخصية حتى تعيشه لكنه لم يتمكن من انقاذ العمل الذي أضره التطويل والملل وغياب التشويق مع ان بعض الحوارات كانت سلسة لا نعرف لماذا بسرعة تتلاشى لتصبح مملة كأننا أمام أكثر من نص، أو ارتجال لحوارات تحت طلب الممثل، ونادين نجيم حضورها ناعم يبشر بنجومية إلا أنها في كثير من المشاهد كانت مشوشة دون عمق ولزوم المشهد، ولم تعرف تحريك  فكها السفلي كأن هنالك ما يعيقه، كلما اقتربت الكاميرا من وجهها اخذتها صامتة و ما ان تتحدث حتى يخيم الجمود وعدم الاثراء في ايماءات الوجه، هنالك خلل ما وجب على المخرج ونادين اكتشافه، وكارمن لبس دائماً متألقة تحتاج إلى بطولة مطلقة، ويوسف الخال يكرر نفسه ولا يجتهد مع ان الفرص تقدم له وستقدم ايضاً، أمانة والي فقدمت دوراً جديداً تفوقت به على نفسها وعلى من شاركها التمثيل، و المفاجأة كانت الممثلة أنجو، فنانة كلها حيوية، نشيطة وسريعة التواصل مع الكاميرا والنص، لديها جرأة في تأدية كل ما يسند لها دون خوف، ناعمة ثاقبة لو أسندت لها البطولة لكانت النتيجة مغايرة ولصالح العمل، أما المخرج سامر البرقاوي فقد أضاع فرصة لن تعوض !!