عرفات حجازي أخر الإعلاميين الكلاسيكيين المسؤولين يترجل
بقلم||جهاد أيوب
عرفات حجازي...اسم رافق الحركة الإعلامية اللبنانية في عز نشاطها وفي شيخوختها وكبوتها ومع ذلك استمر أميناً لوطنه ولتجربته ولكلمته، حافظ على كلاسيكية المهنة بامتياز، وجعل لكل كلمة في سطر وجوده قيمة ومسؤولية، لم يخن الوطن في اندفاعه مع هذا وذاك واينما وجد رغم مروره بالحرب اللبنانية البشعة عام 1975 وهو عام انطلاقته مع الصورة عبر تلفزيون لبنان "تلة الخياط"، ولم يسمح لنفسه أن يكون العصا التي يتكئ عليها غيره لذلك تنقل من مكان إلى أخر، ومن محطة إلى اّخرى جامعاً الكتابة الأدبية، والتحريري الإخباري، ورئاسة تحرير النشرة الإخبارية المسائية، وكتابة المقالة، ومن ثم الكتابة الإلكترونية.
هو فارس من فرسان الإعلام اللبناني والعربي، تعلم من تجربة غنية وعلم بصفحاته الثاقبة، أدرك أهمية الخبر وتأثيره وتداعياته فحافظ على أمانته وخفف من نعراته، وفهم أن السؤال يطرح على أهله لا على من هو دون حجم الجواب لذلك اعتبر كلاسيكياً في برامجه الحوارية ومنها "الملف"، واليوم، وبعد أن جرب غيره نحِنُ إلى هكذا نوعية من المحاورين الذين يحترمون عقل المتابع المشاهد رغم اختلاف الثقافة والعمر ومفهوم الوطنية، رصين لا يبادر إلى فتح معركة مع غيره، مدافع عن هويته دون شوشرة وإزعاج، وإن شعر بأن من هم من حوله في العمل الإعلامي لا يرغبونه ينسحب بلطف تاركاً كرسيه فارغاً لكونه يدرك أنها لن تكون شاغرة.
التقيت بالكبير عرفات حجازي مرتين في الكويت، ومرة في "دار الندوة "منذ سنة، ففي الكويت اجتمعنا في باحة فندق "الشيرتون" منتصف عام 2000، كان مهذباً لبقاً وواضحاً، يستخدم نظراته أكثر من كلامه وإن رغب بالبوح يختار مفردة سريعة الوصول، وحينما سألته عن واقع إعلامنا قال: " بدأ المرض يشري فيه، والله يستر"، وحينما التقيته أيضا في "دار الندوة" عدت وسألته عن واقع إعلامنا اليوم بعد أكثر من 10 سنوات، قال:" المرض تغلب عليه، ولا بد من استئصال الورم الخبيث منه" وانتهى الكلام، وانسحب من الجلسة برمتها لأسباب صحية!!
يرحل عرفات حجازي كأخر الحالمين في إعلام يشبهه ولا يشبه الكثير مما هو حاصل في الشارع العربي واللبناني، صادق الموت بسرعة ورحل معه تاركاً المريض في علله مع اننا نحتاج منه العلاج...نعم ومن دون غرور أو ادعاء عرفات من القلة القليلة في اعلامنا لديهم العلاج كي يصحح البعض مسيرته في الإعلام، هو ليس الأب ولكننا كنا نشعر بأنه كذلك، وهو ليس الأخ وتعاطيه معنا فيه مساحة من الأخوة، وهو ليس زميلاً لكونه أستاذاً ومعرفته بقدراته وبقدرته وقيمته تفرض علينا الزمالة حيث نكبر به ولا يكبر بنا...عرفات حجازي ترجل منذ أيام في زحمة غياب الأحباب عن وطن يغتاله المصير، رحل في لحظات قلقة عربياً ولبنانياً على مصير شعوب ذاهبة إلى التفكك، عرفات رحل وهو أكثر المؤمنين بخط المقاومة والقومية لذلك كلنا أمل أن يتابع من هم في هذا الخط المسيرة... ونقطة على سطر الإعلام الذي يبكي عرفات اليوم وغداً سيكتشف أنه فقده بالفعل وليس بالقول!!