جهاد أيوب / رحيل نضال سيجري وفي قلبه غصة الوطن السوري

المدير العام عدد المساهمات : 968

رحل دون صوته مع صمت وجع كبر مع مصيبة الوطن

نضال سيجري موهبة متوهجة نرفع لها القبعة

عتبه محبب وحديثه مهذب و طفولة تصرفاته تغني الصداقة

بقلم | جهاد أيوب

جهاد أيوب / رحيل نضال سيجري وفي قلبه غصة الوطن السوري Nidal10

جهاد أيوب / رحيل نضال سيجري وفي قلبه غصة الوطن السوري Nidal10

نضال سيجري فنان من عملة نادرة في الفن العربي، وموهبة واثقة في التجربة الدرامية السورية، ولاعب متميز في تجسيد شخصية مركبة وصعبة، والأهم في لعبته أنه يعيش الشخصية التي يؤديها حتى النشوة، ومن كثرة إتقانه لدوره نشعر بأنه فعلا ينتمي إلى تلك الشخصية المجسدة، يتقمص نصه بفهم أبعاد ما يرغب بإيصاله لنا، أقصد هو ليس مجرد حالة فنية عابرة، بل هو بركان من الفن النظيف، اشتغل على موهبته تفهمها، وأوصلها إلى بر القلق، ففي الفن الحقيقي لا وجود لبر الأمان، بل قلق من المقبل، وحساسية من اللحظة، وشفافية في التقمص، وخوف من الفشل...هذه حالات تصيب الفنان الموهوب والصادق وليس من يدعي الفن، ومنهم من يدخل معسكره جراء واسطة أو شهوات ناقصة، بينما نضال من قبيلة الفن القديم رغم عمره الربيعي حيث ترك بصمة في مداميك الفن الجميل، لم يكن يؤدي مشاهده والسلام كما يفعل غيره، بل يغوص في عتمة الدور إلى أن يوصله إلى النور، أمثاله قلة في زمن استسهال الفن، وزملاء الغفلة!!

نضال سيجري غيبه الموت منذ أيام وبداخله حرقة عذابات الوطن الأم سورية، أصاب صوته سرطان حقود انتقل من حنجرته إلى وطنه فحاول أن يتغلب على المرض فصارعه حتى استسلم للرحيل، ولكن الوطن لن يستسلم قد يقع بالغفوة لكن الوطن سيعود منتفضاً على جهل الجار والابن والصديق والحاقد والعدو...نضال نم بهناء فنور الوطن أتٍ تأتٍ..

نضال المنطلق في الدراما التلفزيونية من المسرح ليس مجرد حالة عابرة، وليس ورقة تشوه من وهج موهبة أخرى، بل هو بصمة وصلت إلى عالم الشهرة بسرعة، وذلك جراء تثقيف موهبته، وتدعيمها بتجارب التنويع من تقديم البرامج، والعمل الإذاعي، والسينما والمسرح...هذا التنوع أغنى تجربته، عمقها حتى التواضع، والطيب، وشغلها بثقة الأداء التعبيري الملفت، هو قادم من هم الفن، وصوت الفرجي والتعبير، لذلك ما أن بدأ في الفن لفت النظر إليه، وأزاح بعض الأسماء ليحتل مساحة جذورها ثابتة، وأغصانها مخضرة، وثمارها يانعة.

نضال اختزل مشواره بسرعة، ووصل إلى نجومية التنوع والإبداع وليس نجومية الصورة ( الفنان السوري لا يهتم بالنجومية بقدر اهتمامه بدور يضيف إليه، وهذا ما جعل الدراما السورية منافسة ولاغيه، ومنتشرة في السنوات الأخيرة)، قد يستغرب البعض كيف لفنان شاب الانتشار بسرعة، ومعتقدا أن العديد من الفنانين انتشروا بسبب واقع اجتماعي ومصالح متبادلة دون موهبة متوهجة، أي فقاعات صابون...هنا الصفحة مغايرة لكل الصدف، هو طاقة لامعة تشرق على الدور فتجعله من لحم ودم، شخصية صعوبتها في تركيبها وأبعادها تصبح عند نضال واقعية، وموصولة بالحي والشارع والعمارة و مفرزات المجتمع، حينما يؤدي نضال الشخصية نخالها خارجة منا!!

خصام

لم أتعرف به شخصيا، ولا تربطني معه صداقة، ورغم وجود صداقات مشتركه بيننا إلا أن المسافة كانت بعيدة، وذات يوم من تجربتي في الصحافة السورية، علق أحد الزملاء من باب المداعبة بخبر عنه أصابه في الصميم "2009"، واعتقد أنني أكرهه بسبب سماحي بنشر الخبر، وعلمت بتهجمه على شخصي في حوار تلفزيوني ومن ثم إذاعي في سورية، لحظتها لم اعلق على رد فعله مع أنني كنت أحب أن يوصل عتبه مباشرة، إلا أنني علمت باستمرار انزعاجه رغم ما فضفض به ضدي عبر وسائل الإعلام غامزا من هويتي اللبنانية... بسرعة طلبت رقم هاتفه، واتصلت به مبتسماً ومعاتباً، فرد بتهذيب، وبأدب، وعتب المحب رغم عدم معرفتنا!! استمرت المكالمة إلى أكثر من ساعة، بعدها اكتشفت موهبة كبيرة في مملكة طفل جُبل بالمحبة حتى غدت المحبة هو، لبق في عتبه حتى يوقعنا بالخجل، حينها قلت له: " سنكتب ضدك بشكل دائم حتى نستمتع بعتبك وكلامك المهذب، وطيب روحك، ولن نعتذر لأننا نرغب بسماع صوتك وانزعاجك المحبب، فالحديث معك لا يعرف غير المتعة، وتواضعك هو الذي يفرض علينا أن لا نسمح لقلمنا بنقدك حتى لو أخطأت"!!

رغم مشاهدتنا للمبدع الطفل المشاغب نضال في أكثر من عمل، إلا أن دوره في المسلسل الكوميدي الأفضل و الأنجح "الضيعة ضايعة" - أسعد - أكد على مقدرة عميقة أجمل ما فيها زخرفته لها بذهب المتعة والتشويق والإحساس، جعلنا نشعر بوجود أسعد من حولنا، ورفيقنا، أضاف إليها بساطة وشفافية زادت من تألقها، والأجمل الأبعاد النفسية والرومانسية لحالة الشخصية حيث عمقت البعد الدرامي وتداعياته في المشهد، ولم يكن يحتاج إلى حشو كلامي كي يضحكنا، بل مجرد صمته، استخدام إمائياته، ونظراته الحالمة والحادة ندرك أننا وقعنا في شباكه فنضحك حتى العمق، ونذهب معه دون إرادتنا لنتابعه، ونندم بعد ذلك من نهاية الحلقة، رغم أنه يخرج من المربع ليتربع على مائدتنا!!

في "الضيعة ضايعة" يختزل نضال مع فريق العمل تجارب عديدة، ويعيدنا إلى الأعمال الكوميدية بتوازن وشوق للمزيد، التجربة حجبت الشمس عن الكوميديا المتصنعة، والتي تستجدي الضحك عليها وعلى الفنان، فمنذ زمن لم نضحك بصفاء يجعلنا ننسى مشاكلنا المتراكمة، ويفرض علينا أن نجعله الحديث الدائم في مجالسنا، و برأيي العامل الرئيسي يعود إلى أداء الفنان وبساطة فعلة التمثيل، وعفوية رد الفعل في تقمص الكركتر رغم صعوبته، ورغم الخوف من فقدان الشخصية لكثرة دخولها إلى لحظات الطيبة والسذاجة وتعدد حالات الحركة المرسومة، إلا أن ذكاء الممثل نضال أنقذ العمل من الرتابة، فهو يدرك أن الشخصية محورية ولا بد من تطويرها إنسانيا مما ينعكس على الأداء فتطل علينا بكنز من التعبير الضاحك بعيدا عن التشويش والتهريج، أقصد لا يتعمد إضحاكنا، أو يفعل كل الأشياء والارتجال الغبي كي يفرض علينا الضحك، والأجمل أن المخرج ليث حجو يدرك أهمية الشخصية " المخرج حجو حالة إخراجية غنية واثقة تعرف ماذا تريد وكيف تحرك المجاميع"، و هنا يدرك المخرج لقوة الدور وتقنية نضال العالية، ودراسته العميقة لـ أسعد الفلاح الساذج فيرسم له خطوات معينة ومن ثم يتركه يلعب بانسجام محبب يزاوج النجاح والمتعة والجمال، فتصل إلينا الصورة ناضجة وناجحة وملفتة.

ليس دور أسعد هو الأنجح عند نضال، ولكنه الأصعب، لذلك أشرنا إليه مطولاً، فهذه الشخصية القروية لا يستطيع تجسيدها وإقناعنا بها أي فنان، فقط من هم من خامة نضال، أي الفنان المثقف، العفوي، الغني بالتنوع، المجبول بالطفولة، من هنا شعرنا أن الدور خصص له، ولم يعرف النجاح عند غيره، أسعد وجودت يحتاجان جهدا خاصا لا يوجد إلا عند نضال سيجري وباسم ياخور!!

هذا الفنان المشغول بالطيب كما ذكرنا هو رفعنا له القبعة احتراما لجهوده في التنويع وجدية الاختيار، لكونه يشتغل الكوميديا برقي وبحساسية شغله للتراجيدية، هناك أكثر إبداعا وتميزا وهنا أكثر تفوقا وشفافية... نضال بكل بساطه من الفنانين النادرين نبحث عنهم بإرادتنا كي نتمتع بأداء يصل إلينا بسرعة الضوء، و المرض أصابه حباُ بشبابه وحبا بالفن وبنا والله اختاره وسرقه منا كي يلفت نظرنا إلى حقيقة أنه الحي الدائم!!

رحيل الفنان المهذب نضال سيجري خسارة للفن وللصداقة وللعمر ومكسبا لمرضه ولرب اشتاق إليه إلى الطيبين أمثاله...

بطاقة شخصية

نضال سيجري ممثل سوري ولد في مدينة اللاذقية بتاريخ 28/05/1965، خريج المعهد العالي للفنون ، متزوج وله ولدان . أصبح عضواً في نقابة الفنانين السوريين في 17/9/1991، وشارك في الكثير من الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية. ويعود أصله إلى قرية تسمى شيزر في حماة ويقال لها (سيجر).

من أعماله

كاليغولا، ميديا وجيسون، السفربرلك، شو هالحكي، شوية وقت، آواكس،الغول، نور العيون، تخاريف، سندريلا، أصوات الأعماق، النورس، مات ثلاث مرات، الترحال، زهرة الرمان، العبابيد، القلاع، رمح النار، سيرة آل الجلالي، الشوكة السوداء، كان ياما كان، الأيام المتمردة، هوى بحري، الفوارس، الزير سالم، الشجر ينبت على الحجر، شبه المرحوم، البحر أيوب، بقعة ضوء، الواهمون، غزلان في غابة الذئاب، صلاح الدين الآيوبي، ضيعة ضايعة ( جزأين ) ومسرحية سيلينا (2008).

» جهاد أيوب في مدافن الوطن
» جهاد أيوب في OTV
» من هو الإعلامي والأدبي جهاد أيوب؟
» هاد أيوب يتحدث في رحيل الهرم وديع الصافي لصباح آسيا
» الكاتبة والشاعرة اللبنانية الاصل " كاتيا نصرة " ما في مثل الوطن الا الوطن